*الجلسة السادسة والعشرون :
رمــضــــ 26 ـــــــان
{ وبالوالدين إحسانا }
الحمد لله الذي وعد من أطاعه بنعيم الجنان ، أمر ببر الآباء والأمهات ، وأجزل على ذلك عظيم العطيات والصلاة والسلام على الرسول الكريم ، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد :
الأسر المسلمة تفخر بوجود الآباء والأمهات بينهم خاصة عند كبر السن ، ويبقى الأب المسلم بين أبنائه وأحفاده كالملك في مملكته .
والله سبحانه فطر الأبوين على الشفقة على أبنائهم والإحسان إليهم والتضحية براحتهما ومالهما في سبيل راحة الأبناء .
ورسل الله أبر الناس بوالديهم ، يقول الله عز وجل : عن نوح عليه السلام : " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين وللمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا " نوح 28 .
ويقول سبحانه عن يحيى عليه السلام : " وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً " مريم 140 .
وعن إسماعيل قال سبحانه : " وبراً بوالدي ولم يجعلني جباراً شقياً " مريم 32 .
والله سبحانه أمر المؤمنين عامة ببر الوالدين وجعل لهما حقوقاً عظيمة لفضلهما على أولادهم بل قرن الإحسان إليهما بعبادته وقرن شكرهما بشكره ، ومهما بذل المرء لوالديه فلن يستطيع أن يوفي لهما كل ما قدماه ، قال رسول الله عليه وسلم : " لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه " رواه مسلم .
وقال الحسن البصري : ( البر أن تطيعهما في كل ما أمراك به ما لم تكن معصية لله ، والعقوق هجرانهما وأن تحرمهما خير ) .
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين يعني من الجنة ، وإن كان واحد فواحد ، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه ، قيل : وإن ظلماه ، قال : وإن ظلماه " .
وبر الوالدين سبب في تفريج الكرب وذهاب الهموم والأحزان ، ومن ذلك قصة من انطبقت عليهم الصخرة .
ومن الوفاء ألا ينسى الإنسان المعروف ، ولا يجحد الفضل .
كان حيوة بن شريح يقعد في حلقته يعلم الناس ، فتقول له أمه : قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج فيقوم ويترك التعليم .
رأى ابن عمر رجلاً قد حمل أمه على رقبته وهو يطوف بها حول الكعبة ، فقال : يا ابن عمر ، أتراني جازيتها ؟ قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً .
وسئل علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم مرة : أنت من أبر الناس : ولا نراك تؤاكل أمُّك ؟ فقال : ( أخاف أن تسبق يدي إلى ما قد سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها ) .
وليس بر الوالدين في حياتهما فحسب بل حتى بعد مماتهما ، فالصلة ما زالت قائمة بين الولد وأبويه ، يطلب الرحمة والمغفرة لهما من الله تعالى ، وينفذ عهدهما ، ويكرم صديقهما ، ويصل رحمه التي هي من قبلهما فينال بذلك رضى الله ورضاهما .
اللهم ارزقنا بر والدينا وارحمهما كما ربونا صغاراً ، وأصلح لنا البنين والبنات واغفر لوالدينا ووالديهم ولجميع المسلمين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .