عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /11-03-2014, 11:19 AM   #69

أبو البقاء

غير موجود

 رقم العضوية : 1327
 تاريخ التسجيل : Mar 2011
 الجنس : ذكر
 المكان : ضفاف وادي حنيفة
 المشاركات : 718
 النقاط : أبو البقاء

 

افتراضي إن بعض الظن إثم !








إن بعض الظن إثم !



(1)

قدم أبو البقاء للمقهى صباح ذلك اليوم، متأخرا على غير عادته ..



كانت ساقاه لا تكاد تحمل جسمه النحيل من التعب والإرهاق ..



أخذ مكانه على الطاولة 9 وصاح في النادل بكوب (قهوة مرَّة)

تحاكي صباحه المليء بالهم والكدر ..



أراد أبو البقاء الراحة بعد تقاعده من العمل ..

لكنه فتح على نفسه باب الوحدة والعزلة التي أطبقت على حياته ..

فلم يعد يرى سواها جليسا وأنيسا ..!



أسند أبو البقاء عظام فكيه على باطن كفيه فوق الطاولة ..

وراح يتأمل في ما هو خلف زجاج المقهى ..

ينظر إلى المارة .. يتفرس في وجوههم ..

علّه يجد من هو يقاسمه في ملامحه الهمّ..

فيسقط عنه أوزار الوحدة التي أطبقت على قفصه!



أخذه الهوس بتفحص الوجوه إلى الإيمان الكامل ..

بأنك إن أردت أن تجد عالماً مصغراً للكون من حولك فاذهب إلى المقهى!



*****************



(2)



جَلسَت أمامه بعد أن وضعت حقيبتها بينهما على الطاولة..

لتخفي رعشة أصابعها حياء واعتذارا عن تأخرها !



نظر أبو البقاء في عينيها قليلا ..



ثم أطرق متأملا في وجنتيها اللتين تعلوهما حمرة الخجل،

وفي عينيها رجاء الدنيا..



ومع ارتعاشة شفتيها .. لم تكن قادرة على إخراج

أول حروف كلمة ( هلا فيك )
الذي هو أسهل الحروف مخرجا ..


سوى ابتسامة فرَّت من عينيها عنوة..



كان من الصعب على أي رجل مهما بلغت قسوته تجاهلها !



أخرجت منديلا معطرا من حقيبتها ..
ومسحت عرقا على جبينها كحبات لؤلؤ لم تنضج بعد !


ثم راحت تمسح آثار أصابعها الندية على سطح الطاولة !



كانت على وشك الارتماء على يديه تقبلها..

وعلى جبينه الذي أقام فيه الحُزن مأتمه الأخير..!



*******************



( 3 )



استغلت لحظة صمته لتجول بنظرها في المكان ..

فرأت شابا ينظر إليها ويبتسم.. لم تعِرْه انتباها ..



واستمرت تتفرس وجوها كالأشباح في زوايا المقهى ..



عادت لتختلس نظرة بطرف عينيها إلى حيث يجلس الشاب..

فرأته مابرح ينظر إليها وبنفس الابتسامة ..



تعجبت من صنيعه ، وجرأته .. ووقاحته !

أرادت أن تحيي الغيرة في قلب أبي البقاء ..

ليحرِّض لسانه بكلمات ترضيها ..!



تناولت منديلا على الطاولة وكتبت لأبي البقاء :

خلفك شاب لم يزل يرسل ابتساماته الفجة لي .. !



**************



(4)



دارت كواكب الكون في رأسه المثقل ..

ورأى بأم عينيه نجوم الظهر تتراقص أمامه ..

واستدار بكرسيه وانتصب هائجا متجها صوبه..



زفر أبو البقاء من صدره شهيق الوجع ..

قبل أن يهوي بكفِّه على خد ذلك الشاب ..!



ثم انطلق حاملا ساقيه نحو المخرج ..!



نظرت السيدة إلى الموقف متعجبة من صنيع أبي البقاء ..

وردة فعله القاسية .. خصوصا بعد معرفتها بحقيقة الشاب !



ثم انحنت على ركبتيها ..

ورفعت النظارة السوداء من على الأرض وناولتها الشاب ..

ثم أمسكت بعصاه ووضعتها بين يديه ..



(5)



لم تفصح الغشاوة التي كست عيني أبي البقاء عن باب المقهى ..

ليعانق الزجاج بكامل جسمه ..

فيسقط على ظهره طريحا يتأوه من الألم ..



جاء النادل مسرعا .. وصاح في أبي البقاء ..
(
Are you fine)
هل أنت بخير ؟



أزاح النادل الكرسي من خلف أبي البقاء..

ثم أمسك بيده ورفعه ليستوي على الكرسي أمام الطاولة ..



التفت أبو البقاء بنظرة كسيرة إلى الباب ..

ثم تمتم ..



( اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم ..

ومن العجز والكسل ومن غلبة الدَّين وقهر الرجال) ..




* ورقة : الكفيف يرى بابتسامته ..!

*
*
*
*











تخيلها لكم .. أبو البقاء










قال أبو البقاء الرُّندي رحمه الله قبل عدة قرون
وكأنه يتحدث عن حالنا هذا اليوم :


لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ .. فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إنسانُ
هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دوَلٌ .. مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ
وَهَـذِهِ الـدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ .. وَلا يَـدُومُ عَـلى حـالٍ لَها شانُ

   رد مع اقتباس