فِي مَـــقــهَى عـِـرقَة !!

[أبو البقاء]

الفصول الأربعة

دلف أبو البقاء المقهى متثاقلا على غير عادته، كمن أعياه السهر !

أخذ مكانه على الطاولة 9 واسترخى على الكرسي مسندا ظهره
في صورة لم يعهد نفسه عليها !

جاء النادل فأشار أبو البقاء بأصبعه إليه
يؤكد فيها إلى ما جرى عليه الأمر .. "قهوة إيطالية" !

غادر النادل لتجهيز القهوة فيما أرخى أبو البقاء جفنيه
وأغلق بهما عينيه..!

وما هي إلا لحظات حتى قدم صاحبه أبو الهيثم وهو يترنم بقصيدة مغناة،
واتخذ مكانه على الطاولة..

* قال أبو البقاء .. جئتُ اليوم باكرا، على غير عادتي
ولم أكن أتوقع وصولك هذه اللحظة!

- رد أبو الهيثم .. إنها عادة طيبة أن ألتقيك كل صباح ..
صباحي أنت أيها النبيل .

* أبو البقاء.. إذا ستبقى معي اليوم حتى تتوسط الشمس كبد السماء ؟
لقد اشتقت إليك كثيرا ..أريد الحديث معك ..

- سأحاول ذلك ..

* بل ستبقى معي .. أريد أن أهمس لك بأمر ..

- تفضل قل لا تترك شيئا بصدرك .. إني لك أذن صاغية !

* هل ترى تلك الفتاة التي تتخذ الطاولة المنفردة
بجوار حوض الزهور هناك ؟

- نعم .. رأيتها ..مممم ما بها ؟

* هل ترى كأس العصير ذي الطبقات ..
المسمى ب"الفصول الأربعة" يبرز فوق طاولتها كل صباح ؟

- نعم .. رأيته .. وأراه كل صباح .. ذوقها جميل ..

* إنها رسالة لي يا أبا الهيثم .. إنني متأكد منها ..
لا شك أنها معجبة بي، وبقصيدتي " الفصول الأربعة "
وإلا لماذا الديمومة على هذا النوع من العصير ذي الطبقات المتعددة ..
لكن أين قرأتها يا تُرى ؟

- شخَصَ بصرُ أبي الهيثم نحو كأس العصير لبرهة
ثم صاح في أبي البقاء ..
للأسف يا صاحبي سأضطر الآن لمغادرة المقهى ..
فقد تذكرت أمرا مهما في المكتب ولا بد من إنجازه
قبل أن يسأل عنه المدير !

- * هنا انتفض أبو البقاء متحسرا .. هكذا عودتني معك ..
تأتي مسرعا وتذهب مسرعا.. حتى كوب القهوة لم يمسّ شفتيك ..!
ابق معي هنا قليلا .. فالوقت ممل وطويل علي بعد التقاعد !

- - نظر أبو الهيثم إلى ساعته التي تشير إلى السابعة والنصف
وقال .. لا أستطيع .. لا أستطيع .. غدا ألقااك ..

- * فجبذه أبو البقاء من ثوبه حتى كاد أن يمزقه ..
وقال : قل لي بربك .. إنها عادتك منذ أسابيع ..
لم تعد تكاد تجلس دقائق أو بالكاد ساعة حتى تنصرف مذعورا ..
ما بك ؟ أهو مس من الجن ؟

- - قال أبو الهيثم .. بل هو مس من العشق ..
وانفرجت أساريره وهو يهمس في أذني أبي البقاء..
( أترى تلك الطاولة التي أشرتَ إليها بجوار حوض الزهور) ؟

- * فتح أبو البقاء فاه مستغربا .. واسترسل .. نعم ..
إنها رسالة " الفصول الأربعة" !

- - صاح أبو الهيثم ضاحكا .. إنها رسالة خطيبتي ..
أترى طبقات العصير .. المتماثلة في السُّمك..
وأسفل منها طبقة بِسُمك أقل ؟
إن طبقات عصيرها اليوم تشير إلى السابعة والنصف
وهو موعد لقائنا .. هذا اليوم !
فكل طبقة تعني "ساعة من الزمن"
وما أقل منها " نصف الساعة " !
إلى اللقاء يا صاحبي ..!

- * اهتز كرسي أبي البقاء من الصدمة .. وفتح عينيه ..
وتلفت يمنة ويسرة فلم يجد أحدا حوله ..
ثم نفث عن يسراه ثلاثا .. وصاح في النادل:
أين القهوة يا ابن الأفنس .. لا أبا لك !!



* ورقة .. " الأحلام ليست كل الحقيقة" !!






تخيلها ,, أبو البقاء