لقد انتقلت وفارقتنا ،، بعدما كنا نراها في كثير من الأحوال ،، أما اليوم فقد إنتابنا الحزن على فراقها
وحُق لنا أن نحزن، ,وإنني كلما تذكرتُ انتقالها التصقت حنايا صدري وكاد دمعي أن يأخذ مجراه على خدي ،، وأجزم أني لستُ أنا الوحيد الذي حزن لفراقها ولكن لا أشك أبداً إن الكثير قد حزن لها ، لأنهم يعرفون فائدتها التي كانت تنثرها على من عرفها حق المعرفة ،، ولكن لا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون ،،
لا أطيل عليكم ففراقها محزن وأمرها هام، فهي التي قيل فيها المثل المشهور :
=
=
=
=
=
=
=
=
=
=
"القناعة كنز لا يفنى"
أي وربي إنها القناعة ،، وحقيقة الأمر إنها لم تفارقنا ( والحمدلله ) بالكلية، ولكن عندما رأيتُ أن اليسير من الناس أخذو بها وتركها الكثير ، أطلقتُ عليها ( أسم المفارقة ) .
والمشاهِد لأحوال الناس اليوم يعرف هذا !! وكم وكم من الناس سيطر عليهم الغم والهم ، وذلك لأنهم لم يقتنعوا بما آتاهم الله عز وجل ، فكانت العاقبة وخيمة عليهم من ذلك همهم وغمهم ، أنظروا لمن حملوا أنفسهم ما لا يطيقون من أقساط قد يعرفون إنهم في قرارة أنفسهم إنهم لن يستطيعوا سدادها ، كل ذلك لأجل المفاخرة وعدم الاقتناع بما عندهم ، وترى البعض حزين عابس الوجه ! وعندما ترى السبب ، فإذا هو مُطلِق الفكر في أحوال من هم فوقه ( أصحاب المال والرفاهية ) فيبقى طوال يومه وليلة كيف يستطيع الوصول لمثل حالهم !!
بكل حقيقة إن القانع بما آتاه الله لهو في سعادة وفي راحة تامة .
فنداء ثم نداء لكل من لا يعرفها ، بأن يتشبث ويأخذ بها ويعوّد نفسه عليها فوالله إنها تسيطر على صاحبها كل ما فيه سعادته وراحته .
ودعونا نتحدث قليلاً عنها لعل وعسى أن يفيد بإذن الله . ( فما هي القناعة ؟ ) هي الاكتفاء بما آتاه الله من المال بقدر الحاجة والكفاف، وعدم والاهتمام فيما زاد عن ذلك.
وهي صفة كريمة ، تعرب عن عزة النفس ، وشرف الوجدان وكرم الأخلاق. وقد قيل : ( من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الأغنياء) هل تعرف لماذا كان من أغنى الأغنياء ؟ لأن حقيقة الغنى هي : عدم الحاجة إلى الناس ، والقانع راض ومكتف بما رزقه الله ، لا يحتاج ولا يسأل سوى الله عز وجل . والفقر في النفس لا في المال فاعرفوه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال .
(( ومن محاسنها : ))
لها أثر بالغ في حياة الإنسان، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي، فهي تحرره من عبودية المادة، واسترقاق الحرص والطمع، وعنائهما المرهق، وهوانهما المذل، وتنفخ فيه روح العزة، والكرامة، والإباء، والعفة، والترفع عن الدنايا، واستدرار عطف اللئام. والقانع بالكفاف أسعد حياة، وأرخى بالا، وأكثر دعة واستقرارا، من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم. والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفزه على التأهب للآخرة، بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها.
وإن كنت لا تستطيع أن تأخذ بها فإليك العلاج :
أن تتذكر مساوئ الحرص، وغوائله الدينية والدنيوية وأن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب. أن تتأمل فضائل القناعة ، ومحسناتها، مستجليا سيرة العظماء الأفذاذ، من الأنبياء والأوصياء والأولياء، في زهدهم في الحياة ، وقناعتهم باليسير منها. ترك النظر إلى من يفوقك ثراء ، وتمتعوا بزخارف الحياة ، والنظر إلى من دونك فيها فذلك من دواعي القناعة وكبح جماح الحرص. وأخيراً مرة أخرى أنادي بالأخذ بها بعدها ستجد إن الوضع تغير للأحسن بإذن الله بإذن الله . وأخيراً أقولُ لها في هذا العصر إنا على فراقكِ لمحزونون.
-------------