بسم الله الرحمن الرحيم
أعمل في بيئة عملية جل زملائي فيها من خريجي الجامعات الأمريكية ابتعثوا بعد الثانوية ودائماً ما أدخل معهم في نقاشات فكرية نظراً لتأثرهم بنمط الحياة الأمريكية وهذا أمر طبعي حينما ينتقل الشخص من بيئة عادية إلى بيئة متحضرة أبرز سماتها احترام الإنسانية والعدل وحب النظام ناهيك عن جمال الطبية الخلابة حتى أصبح زائرها أكثر فتنة بها من ساكنها !! ومشكلة هؤلاء المفتونين هي في العين العوراء التي يرون ويقيمون بها ؟! يحدثونك أخلاق هذا الأمريكي وعن إيجابيات المجتمع الأمريكي بينما يغضون الطرف عن السلبيات الخطيرة المتأزمة في المجتمع الأمريكي مثل الظلم وانعدام الأمن وخلو المجتمع من فضيلة الشهامة والنخوة والكرامة ، وكذلك جرائم المجتمع الأمريكي ومسؤوليته عن إبادة أكثر من خمسين مليون أمريكي هندي ومثلهم من المسلمين في العراق وأفغانستان وباكستان والبوسة والصومال وغيرها الكثير ؟! .
إن أبرز ما يلفت النظر لمن سافر إلى تلك الدولة ويجعل هؤلاء المبتعثين يهيمون حباً فيها هو احترام النظام وخاصة نظام المرور وهي التي للأسف نفتقدها كثيراً إلى درجة أن الداخل إلى شوارعنا مفقود والخارج منها مولود فالفوضوية وحب الذات والسرعة وقطع الإشارات وعكس الاتجاه وانتهاك أولوية السير سمة من سمات مجتمعنا ، بل يوجد عندنا حالتين نادرتين لم نرى أو نسمع بهما في أي دولة من دول العالم ؟! الأولى : الوقوف عند الإشارة الحمراء في خط الخدمة الذي يتجه إجبارياً إلى اليمين ثم عكس الاتجاه عندما تصبح الإشارة خضراء ، والثانية إنشاء مسار جديد عند الإشارة لمزاحمة المسارات التي على اليسار وإغلاق المسار أمام السيارات التي تريد الانعطاف إلى اليمين لأننا شعب نحب دائماً أن نكون تحت الإشارة مباشرة ؟! تلك الفوضى المرورية زادها سوءاً نظام ساهر الذي أبدل رجل المرور بكاميرات صماء فأصبح من المستحيل رؤية رجل مرور في الشارع مما أدى إلى فوضى مرورية غير طبيعية إلى درجة أن المتهور يعكس السير مائة مرة ويقطع الإشارة مائة مرة ويقف وقوفاً خاطئاً مائة مرة فلا يرصد عليه مخالفة إلا مرة أو لا مرة !! ، بينما هذا لا يحدث في دول العالم إذ من المستحيل أن ترتكب مخالفة دون أن ترصد !! .
إن من العدل أن نقول أن هذا الأمريكي لا يكذب ولا يظلم ولا يغش ويحترم النظام لكن من الظلم أن ننسب هذه الفضائل إلى الأخلاق وليس النظام الذي أطر عليه أطراً حتى صار مجبراً على التخلق بتلك الفضائل ، وهذا لا يعني أن نسبة منهم يتمتع بأخلاق عالية ولكنها بلا شك لا تعدوا أن تكون نسبة ضئيلة مقارنة بنسبة الشعب السعودي الذي يتمتع بأخلاق عالية ولكن ما يميزهم هو التطبيق الصارم للنظام القائم أصلاً على المادة التي تشكل عنصراً هاماً للشعب الأمريكي فدفع الغرامات خط أحمر بالنسبة به لذلك هو يحترم النظام خوفاً من العقوبة لا خلقاً يتخلق به والشواهد على هذا كثيرة فلو قدر أن تنقطع الكهرباء عن مدينة أمريكية ما لتحول ثلاثة أرباع الشعب إلى لصوص وهذا حدث بالفعل في الماضي القريب ، وكذلك في المظاهرات الحاشدة تكون الأسواق أول الضحايا فتجد حتى كبار السن أول الغازين والغانمين من تلك المحلات وهذا ما شاهدناه في مظاهرات لوس انجلوس قبل أكثر من خمس سنوات !! فأين ذهبت الأخلاق ؟! .
قوة النظام وما يترب عليه من جزاءات لا الأخلاق هو ما يجعل الناس يحترمون النظام لذلك نحن أحوج ما يكون لفرض النظام بالقوة بدلاً من جلد الذات وتسفيه المجتمع الذي يمارسه الكثير من المخدوعين بالغرب وكما قيل المال السائب يشجع على السرقة وعليه نقيس أن عدم الصرامة في تطبيق النظام يشجع على الفوضى .