السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جلس وحيداً أمام التلفاز واضعاً يده تحت ذقنه .. يفرها يمنة ويسرة بعد أن أرسل بعينه التي وقعت عليها نظرة تفكر .. فانشغل بهاعن كل شيء يحيط به .. أما هي فقد وقفت بطولها وعرضها أمامه وكأنها تتحداه وتقول له : هلم إلي .. وخذني ولا تخف من أحد ..فهل ستستطيع ؟!
فهبَّ مسرعاً من كرسيه الذي سئم من كثرة جلوسه .. وما أن مد يده نحوها حتى تعالت أصوات السخرية والإستهزاء في أذنه وكأنه يسمع : ( أين ستذهب ؟! ) ، ( أنت رجل..... ) ، ( انتبه ... ) !!! ، وسرعان ماعاد إلى كرسيه الذي لم تكتمل فرحته بذهابه حتى عاد .. فاتكئ مائلاً وعاود ارسال النظرة تلو النظرة .. وما قطع تلك النظرات إلا نبرات صوت زوجه التي أحضرت له القهوة .. وبإبتسامة ناعمة قالت له : ( سأذهب لأجهز وجبة الإفطار ) ، فهز رأسه مبتسماً ابتسامةً منهكة .. ولسان حاله يقول : الحمدلله أنها ما رأتني .. ثم عاوده الشعور الملح بإلقاء النظرة عليها والتأمل فيها ولم يشعر إلا وهو ممسكا بها .. وعندما همَّ بها وهمَّت به فإذا بزوجته الممتلئة حباً وأدباً تبتسم وهي تراه ، وتقول: ( وش عندك ماسك المكنسة ؟! )
فارتبك وقال: ( امم اممم لالا بس بشوف نوعيتها هي جيدة والا لا ؟! ) ، ثم عاد إلى مكانه لذلك الكرسي.
وبعد أن أحضرت زوجته وجبة الإفطار .. وذهبت لتغسل الأواني في المطبخ عاوده نفس الشعور للإمساك بالمكنسة وهو يقول :
( وش فيها إذا ساعدت زوجتي ؟؟ ، مسكينة هي تتعب وأنا قاعد على هذا الكرسي إلي لو تكلم كان بيقول ياليته يبيعني ) ، فجمع شجاعته وبدأ بالكنس .. فإذا بزوجته تدب على قدميها دبيب النمل لتتأكد من مصدر الصوت ! .. فلما دخلت على زوجها قالت : ( معقولة ؟!!! ) ، فالتفت على مصدر الصوت واصبعه على زر المكنسة .. فأقفلها بسرعة وأقبل على زوجته قائلاً لها : ( اسمعي أنا قررت أساعدك ! .. بس .. ! ) ورفع اصبعه مهدداً .. ( انتبهي انتبهي يدري أحد ) !
فما استطاعت أن تفتح فمها بكلمة إلا بعد لحظة من تنظيم مشاعر الفرحة والإنبهار وبعدها أعطته وعداً صادقاً بأن لا تخبر أحد ..
مرت الأيام على ناصر وهناء وهم في قمة التعاون والسعادة .. فما نقص له قدراً .. ولاتغير له اسماً .. ولم تتأثر مكانته في المجتمع !
وفي إجازة الصيف قرر ناصر وهناء السفر إلى مدينة الأحساء .. وفي يوم من أيام الرحلة ، خرج ناصر يريد أن يحضر بعض الاحتياجات .. فإذا به يرى رجلاً في الخمسين من عمره يكنس ويغسل فناء المنزل ومازال ينظر إليه بانبهار حتى كادت تندلق عيناه على وجنتيه !! ومما زاده انبهاراً أن ذلك الرجل فتح الباب على مصراعيه لإخراج الماء والصابون .. ففتح باب سيارته ثم اقترب من المنزل وألقى السلام على ذلك الرجل وتعذر بسؤاله عن بعض المناطق التي يرتادها السياح ..
وبعد أن أجابه همّ بإكمال عمله متوقعاً انصراف ناصر .. إلا أن ناصراً بقي واقفاً متأملاً فعلة ذلك الرجل .. فالتفت إليه قائلاً : (ياولدي بغيت حاجة ؟ ، قال ناصر : ممكن ياعم سؤال ماتواخذني فيه ؟! ، قال العم : وش دعوى ياولدي تفضل قول وش عندك ؟! ، والا أقولك اقلط تقهوى وياي فأُحرج ناصر .. فقال : ودي ، لكن أهلي ينتظروني في الفندق ! ، فأردف كلامه ذاك بطلبه .. بس جاوبني ! ، قال العم : وش عندك ؟! ، قال ناصر : أشوفك تشتغل في البيت ! ، قال العم : ايه هذا بيتي ! ، قال ناصر : مو عيب ؟! ، قال العم : وش دعوى .. ليش عيب ؟؟! ، مو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خدمة أهله حتى يقام للصلاة ؟! ) ، ثم بحنكة هذا العم وخبرته وضع يده على كتف ناصر وقال له : ( ياوليدي إذا ساعدت أهلك فكيت نفسك من هالشغالات وتفريج كربة بعد .. وتفريح لهم .. أجور ياولدي أجور وش تبي أكثر من تشذي ؟! ) ، وكأن ناصر يريد أن يقنع نفسه وقال : ( لكن يقولون ان الرجاجيل عيب يتشغلون الشغل للحريم .. فعاد العم إلى مكنسته وقال له : يبه خلهم يولوووووون .. أهم شيء قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - مب قولهم ! ) .