ظهر الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود على مسرح الأحداث السياسية في بلاد نجد في عهد إمارة محمد بن مشاري بن معمّر الذي كوّن إمارة قصيرة العهد في الدرعية وما حولها من بلدان مثل الرياض. وكان ذلك في أعقاب رحيل إبراهيم باشا عن الدرعية. وحاول ابن معمّر بذلك أن يكوّن إمارة نجدية محلية تحت زعامة أسرة آل معمّر، وتابعة للعثمانيين وواليهم محمد علي باشا.
وتبين الروايات التاريخية النجدية أن تركي بن عبد الله أيد ابن معمر وسانده ودعمه يوم أن ظهر في الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا عنها. ولكن موقف تركي وولاءه لابن معمّر قد تغير تمامًا بعد ما غدر بابن عمه مشاري بن سعود.
دأب الأمير تركي بن عبد الله في فترتي حكمه على إعادة تكوين الدولة السعودية بعد انهيارها على يد إبراهيم باشا. ففاجأ محمد بن مشاري بن معمّر في الدرعية وألقى عليه القبض، وتولَّى الحكم فيها، وأيده سكانها. ثم هاجم الرياض ودخلها وألقى القبض على مشاري بن محمد بن معمّر،. وبهذا يكون الأمير تركي بن عبد الله قد سيطر على مقاليد الحكم بعد أن أزاح من طريقه قوة محلية نجدية منافسة هي قوة آل معمّر ونفوذهم في المنطقة. وقرر تركي ابن عبد الله أن يتخذ من الرياض عاصمة له عوضًا عن الدرعية التي تحطمت فيها كل وسائل الدفاع عنها مثل القلاع والحصون والأسوار وما إلى ذلك. وقد اشترط تركي على محمد بن مشاري بن معمّر وابنه مشاري أن يعملا على إطلاق سراح ابن عمه مشاري، وإلا قتلهما. ولما كان أتباع ابن معمر قد سلموا مشاري بن سعود إلى خليل آغا القائد العثماني في بلدة سدوس، وهو بدوره نقله إلى القيادة العثمانية في عنيزة، ومات هناك في السجن، لذا نفذ تركي بن عبد الله فيهما حكم القتل عام 1236هـ، 1820م.
هاجم فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير، ومعه عدد من القوات العثمانية المرابطة في عنيزة الرياض، لكن تركي بن عبد الله وقواته المرابطة داخل المدينة، صدوا الهجوم، وصمدوا في وجه حصار قوات فيصل الدويش للرياض، مما اضطر معه فيصل الدويش إلى رفع الحصار عن الرياض والرحيل عنها، متوجهًا بقواته صوب منطقة الوشم لإعداد حملة قوية يكون بإمكانها السيطرة على الرياض، معتمدًا بذلك على القوات العثمانية التي وصلت إلى نجد تحت قيادة القائد العثماني حسين بك، والتي أرسلها محمد علي وابنه إبراهيم باشا إلى نجد لتقويض دعائم السلطة السعودية التي ظهرت من جديد محاولة إعادة تأسيس الكيان السعودي في دوره الثاني.
وصلت القوات العثمانية المصرية إلى منطقة الوشم برئاسة حسين بك، وفي الوشم انتدب حسين بك أحد ضباطه عبوش آغا (آبوش آغا) للتوجه صوب الرياض من أجل احتلالها والقضاء على حكم تركي بن عبد الله، وترتيب الأوضاع الأمنية والإدارية في المنطقة.
اضطر تركي بن عبد الله أن يخرج سرًا من الرياض بعد حصار عبوش آغا وقواته لها، متوجهًا إلى بلدان جنوب الرياض. وبعد أن احتل عبوش آغا بلدة الرياض وصل حسين بك إليها وأمّر فيها ناصر بن حمد العائذي وعند رحيله من نجد ترك حاميات من العسكر في أمهات مدن نجد وفتك بمن يظن بهم مقاومة العثمانيين، وعمل في القرى قريبًا مما عمله إبراهيم باشا فعمت الفتن والحروب، وضربت الفوضى اطنابها من جديد، فقتل رئيس حامية الرياض إبراهيم كاشف وأميرها ناصر بن حمد العائذي. ومهدت هذه الأحداث لظهور تركي مرة أخرى حيث قدم في رمضان عام 1238هـ، 1822م من بلدة الحلوة لاستئناف الكفاح من جديد لاستعادة ملك أبائه، واتخذ من بلدة عرقة مركزًا لعملياته الحربية ضد المحتلين.
هاجم تركي وقواته التي جمعها من البلدان النجدية القوات العثمانية المصرية الموجودة في منفوحة والرياض. واستطاع في أول الأمر أن يقضي على مقاومة جند الدولة العثمانية في بلدة منفوحة في أواخر عام 1239هـ، 1824م، ويكون بذلك قد قضى على معقل من معاقل القوات العثمانية المصرية في منطقة العارض.
وفي مطلع عام 1240هـ، 1824م، توجه تركي بقواته من منفوحة إلى الرياض، فحاصرها حوالي شهر، لكن جندها من العثمانيين والمصريين صمدوا في وجه الحصار إلى أن وصلتهم قوات نجدة بقيادة فيصل الدويش الذي ظل يؤيد محمد علي وقواته، وتمكن فيصل الدويش من فك الحصار عن الرياض، وانسحب تركي إلى بلدة عرقة. ولما رحل فيصل الدويش مع قواته عاود تركي الهجوم على الرياض، وحاصرها حصارًا شديدًا، فاضطر القائد العثماني أبو علي المغربي إلى طلب الصلح في مطلع عام 1240هـ،1824م فقبل الأمير تركي ذلك شريطة أن يخرج مع قواته من الرياض ويرحل بهم إلى خارج نجد، علمًا بأن القوات العثمانية المصرية كانت عادة تأتي من منطقة الحجاز، وعندما ترحل عن نجد تتوجه إلى الحجاز أيضًا.
وهكذا تمكن تركي بن عبد الله من دخول الرياض، وبايعه الناس إمامًا عليهم. ونشط هذا الإمام في إتمام مشروعه الكبير الرامي إلى توحيد البلاد النجدية تحت حكمه، ثم إعادة المناطق التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى وتوحيدها مع البلاد النجدية في إطار دولة واحدة تعيد أمجاد الدولة السعودية الأولى. وساعدت حركات أهالي نجد ضد القوات العثمانية المصرية، وعندما أجبرته على الرحيل من بلدان نجد، ساعدت على إنجاح مشروع الإمام تركي بن عبدالله. ونال الإمام تركي بن عبد الله تأييد معظم زعماء نجد وعارض مشروعه عدد قليل منهم، مما اضطر الإمام تركي ابن عبد الله إلى استخدام القوة العسكرية لإخضاعهم لسيادته، وسيادة الدولة السعودية . تاريخ ابن بشر .
وصول الإمام تركي بن عبدالله إلى عرقة
وصل الإمام تركي بن عبد الله إلى عرقة في شهر رمضان عام 1238 هـ قادماً من بلدة الحلوة ومعه ما يقارب ثلاثون رجلاً ليس معهم سلاح ، تركهم في شعيب يسمى المسعودية جنوب بلدة عرقة ، ودخل بلدة عرقة لوحده من جهة المستعجله وقابل فيها عبدالله بن راشد وعرف بنفسه وسأله عن بيت أمير البلد وأميرها في ذلك الوقت الشيخ عبدالعزيز بن محمد الهلالي ( جد الشيخ محمد بن إبراهيم ) ودله على بيته ، وقابل أمير البلدة في بيته بالقرب من المسجد الجامع ولم يعرفه ، وظن أن هذا الرجل جاءه ضيفاً بقصد العشاء حسب عادات العرب ، لكنه فاجأه وقال له : " أنا تركي بن عبد الله وجئت لعرقة لتعينونني على استرداد حكم آل سعود " ، فرحب به وحياه وقال له : " أننا نحبكم ونتمنى أن يعود لكم الحكم لكننا نخشى أن نعينك ثم تذهب وتتركنا فتبطش بنا هذه الدولة الغاشمة التركية " ، فرد عليه الإمام بقوله : " إنني أعاهدكم ألاّ أترك بلدكم إلا منتصرًا أو مقتولاً " ، فقال له أمير عرقة : " لابد من اجتماع الجماعة وأخذ رأيهم ، لأني وحدي لا أستطيع عمل شيء " ، وبعد صلاة العشاء في نفس الليلة جمع الجماعة وقابلوا الإمام تركي بن عبدالله وعرفهم عليه وأخبرهم عما يريد ، فقالوا : " نحن أهل محارم ونخيل ومزارع وحلال ، ونخشى من انتقام الدولة التركية الغاشمة وإلاّ نحن نحب آل سعود ونرحب بهم وندافع عنهم بكل ما نملك " ، وعرض عليهم ما عرضه على الأمير الهلالي ، أنه لا يفارق بلدهم إلا منتصرًا أو مقتولاً وعاهدهم على ذلك ، ومما يذكر أن رجلاً من أهل عرقة لما علم بوجود الإمام تركي في عرقة صلى الفجر في الجامع وقام بعد صلاة يحذر أهل عرقة من الإمام تركي وقال كلمة أغضبت الإمام تركي ، فقال له رجل هذا الإمام تركي يصلي معنا ؟ ، فهرب من المسجد ولحق به الإمام تركي ليقتله لكنه استطاع الإفلات منه فهرب من البلدة وقيل أنه اتجه إلى عمان وتوفي هناك .
وبعد أن استقر الإمام تركي بن عبدالله في عرقة بدأت تفد عليه الوفود من مؤيديه من أهل الوشم وسدير وغيرهم وأول من سار إليه حمد بن يحيى بن غيهب أمير شقراء وبدأ في محاربة الحاميتين التي في الرياض ومنفوحة التابعة للترك ، فلما رحل عن الإمام تركي بعض مؤيديه سار إليه أهل الرياض ومنفوحة وعساكر الترك وحاصروه في عرقة أشد الحصار ، وصبر لحربهم صبرًا عظيماً ، وجذوا أكثر ثمار عرقة وقطعوا بعض النخيل وذلك في أول السنة التاسعة ، ثم رحلوا عن عرقة وبقي الحرب على حاله والإمام تركي بن عبد الله مقيماً في بلدة عرقة محارباً لأهل الرياض وأمره في قوة وازدياد حتى سلمت الحامية التي في منفوحة ثم التي في الرياض وبعد ذلك استتب الحكم له واتسع حسب ما ذكر بالتاريخ
هذه قصة دخول الإمام تركي بن عبدالله إلى عرقة كما رواها الشيخ محمد الرواف رئيس مركز عرقة ، ويرويها عن أبيه الشيخ عبدالعزيز الرواف ، أما ما يقال أن الإمام تركي دخل عرقة عنوة وقال قولته التي نسبت إلى أهل عرقة ( سابوط يا أهل عرقة ) ، فهو كذب وافتراء والصحيح أن العبارة قيلت لأهل قرية معروفة وهم من روج أنها قيلت لأهل عرقة .
وصول عبدالله ابن ثنيان إلى عرقة
بعد وفاة الأمام تركي بن عبد الله جاء ابن ثنيان إلى عرقة واستقر بها بعد أن أجلى الأتراك من الرياض ومن عرقة ، وبنى فيها دروازة في حي الصنع عرفت باسمه وكان ابن ثنيان أميراً ظالماً بقي في عرقة حتى عاد الأمير فيصل بن تركي من مصر وكان الترك أجلوه إليها ، فقبض على ابن ثنيان وسجنه حتى مات في سجنه ، جاء في كتاب تاريخ نجد لابن بشر :
في سنة 1257 هرب عبدالله بن ثنيان بن سعود بن خالد إلى المنتفق ، وذلك أنه لما أراد خالد يركب إلى خرشد وهو في الشنانة أمر على عبدالله يركب معه فتعلل بأغراض وأمراض فلم يأذن له فحين ركب خالد من الرياض هرب إلى المنتفق فألفى عند عيسى بن محمد رئيس المنتفق ، وقد رجع بعد ذلك وقصد ( الحاير ) المعروف بحاير سبيع فألفى عند راشد بن جفران السبيعي فكتب عبدالله إلى أهل الفرع من أهل الحريق وأهل الحوطة وبلد الحلوة. فكتبوا له ووعدوه النصرة والقيام معه ، وقدم عليه رجال من آل شامر وغيرهم ومعهم أناس مجتمعين عند الهزاني .
فقصد عبدالله بلد ضرما وكان أول نزوله على قصور المزاحميات فسلموا له ، وأرسل إلى أمير ضرماء وأهلها يدعوهم إلى المتابعة فأبوا عليه لأجل ما عندهم من عسكر الترك وحصل بينهم معركة انتصر فيها ودخل البلد وملكها ، ثم رحل بجنوده من ضرما واستلحق البلدان الذي حوله فلما وصل الملقا النخل المعروف أعلى بلد الدرعيه نزل فيه وسار منه إلى الدرعيه وقصد بلدة عرقه ، فدعاهم عبدالله فأبوا عليه وحاربوه فأقبل سعد بن تركي الهزاني في سبعين رجلاً من أهل الحريق فقدم عليه رابع نزوله بلد عرقه ، فخرج من الرياض عدد من الرجال من الترك ومن أهل الرياض لمن كان في عرقه فوقع بينهم قتال ورجعوا إلى بلدهم فحاصر عبدالله أهل عرقه ودعاهم فأبوا عليه فزحف عليهم بجنوده وتسوروا الجدار فأخذوا البلدة عنوة ونهبوا جميع ما فيها إلا أهل الصنع فإنهم امتنعوا عن بعض أموالهم لأن الصنع أقوى وأشد تحصيناً من القلعة بحكم موقعها الجغرافي ، فلما تم له الأمر كتب إلى أهل البلدان يدعوهم إلى متابعته ونصرته فأجابه إلى ذلك أمير بلد منفوحه وهو يومئذ عبدالرحمن بن يوسف بن سعيد فأرسل إليه ثلاثين رجلاً بالليل مع أمير ضرما وراشد بن جفران فدخلوها ثم رحل بجنوده ونزلها .