الملك عبدالعزيز رحمه اللها
الزيارة الأولى
وقعت حادثة غريبة لا يعرف تاريخها ربما كانت في بداية حكم الملك عبدالعزيز بالضبط بسبب خمسة رجال من أهالي عرقة وصل أمرها إلى الملك عبدالعزيز فغضب منها وجاء إلى عرقة وكان قادماً من القصيم ومعه حاشيته وبعد وساطة أمير عبدالعزيز بن محمد الهلالي حلت المشكلة وعفى الملك عبدالعزيز عنهم ، بعدها استضاف عبدالله بن سليمان الملك عبدالعزيز ونفر معه بعد صلاة الجمعة وقدم لهم التمر والزبد واللبن وقد أعجب الملك عبدالعزيز بالزبد وقال : " أفضل من يصلح الزبد أهل عرقة وأهل شقراء " ، وبعد صلاة المغرب ضيف أهل عرقة الملك عبدالعزيز وحاشيته ، ولأن حاشية الملك عبدالعزيز الذي قدموا معه كثر وأهل عرقة فقراء لا يملكون شيئاً فقد تم توزيعهم على ثلاث بيوت من أهل عرقة ، فاستضاف عبدالله بن سليمان الملك عبدالعزيز ونفر معه واستضاف عبدالله بن مرشد ابن صنيتان ونفر معه في حين استضافت عائلة الرواف الأمير محمد بن عبدالرحمن ونفر معه . بعد العشاء توجه الملك عبدالعزيز وحاشيته إلى منطقة تسمى البطحاء الواقعة في نخل يسمى غمران وهي المنطقة الواقعة جانب وادي حنيفة أمام قصر الأمير سلمان الآن ، حيث كانوا قد نصبوا خيامهم في هذا المكان عند قدومهم إلى عرقة وباتوا فيها حتى الصباح ولما أصبحوا أحضر أهل عرقة للملك عبدالعزيز ومن كان معه التمر واللبن والزبد .
مما يذكر في هذه الزيارة أن الملك عبدالعزيز قال لأهل عرقة : " لو أني لم استولي على الرياض ولم أقتل عجلان ، كان في نيتي التوجه إلى عرقة هالبلدة التي استقبلت جدي الإمام تركي " .
الزيارة الثانية
جاء الأمير محمد بن عبدالرحمن آل سعود ومعه الركائب عبر وادي حنيفة ونوّخوا إبلهم في مكان قريب من عرقة ، وكان الشيخ سعد المرشد جالساً على حافة الوادي ولا زال صغيراً في السن، فلما رأى الحاشية يوسّعون للأمير محمد المكان ويفرشون له الفرش عرف الشيخ سعد أنه ذا شخصية كبيرة، فجاء مسرعاً لوالده الشيخ عبدالله وأخبره بالأمر فأخذ الشيخ عبدالله شماغه ووضعه على كتفه وجاء مسرعاً للأمير محمد وقال له يا طويل العمر ليس هذا مكانك ليس هذا مكانك فقام باستضافته في بمزرعته المسماة نبعان وجهز العريش وأمر بالقهاوي والتمر واللبن والزبد ثم أمر أثنين عنده بشراء ذبيحتين على عجل، فجاء أحدهم بذبيحه أما الثاني فجاء وليس معه شيئاً وقال إن الحرمه قالت إن ثمنها ريالين فغضب عليه الشيخ عبدالله وقال عد بسرعة فأنا لم أقل لك عن السعر، فعاد وأتى بالذبيحة فتم ذبح الذبيحتين وأخذ النساء بتجهيز القرصان والجريش وبعض الأكلات الشعبية، فسر الأمير محمد بهذا الكرم، ثم ودّع الشيخ عبدالله، وبعد أسبوع جاء أحد حاشية الملك عبدالعزيز إلى الشيخ عبدالله بن مرشد ( وذلك أن الأمير محمد أخبر أخوه الملك عبدالعزيز بما قام به الشيخ عبدالله وأهالي عرقة من حسن ضيافة ) فطرق بابه وسلمه رسالة من الملك عبدالعزيز مكتوباً فيها : من عبدالعزيز بن عبدالرحمن إلى عبدالله بن مرشد نخبرك أننا دور هذا اليوم سوف نكون عندك، ونرجوا عدم الزيادة على المعقول. وقد كان الملك عبدالعزيز قد أرسل مع رسوله سبعاً من الغنم، فما كان من الشيخ عبدالله إلا أن رحب بذلك وبدأ بعمل كل ما من شأنه إحسان الضيافة لهذا الضيف الكبير، وأخبر أهل عرقة كلهم لشحذ الهمة في التجهيزات لهذه المناسبة الغالية، وقد حضر الملك عبدالعزيز صباحاً إلى مزرعة الشيخ عبدالله المرشد المسماة نبعان على الخيل ومعه حاشيته ولم يكن في مزرعة نبعان طريق للوصول إلى بيت عبدالله بن مرشد فاستدعى رجال من أهل عرقة لفتح طريق للمكلك عبدالعزيز وآخر للركائب حيث قام الأهالي فزعة معه بحصد نبات الصفراء ( الدخن ) من شرق المزرعة إلى غربها حتى يدخل منه الملك عبدالعزيز وحاشيته ، وبدأ النساء بالاهتمام بتجهيز المأكولات الشعبية وقد تم إحضار اللبن والزبد من أهالي عرقة مساهمة منهم وتم تجهيز الغذاء في ثلاثون إناء وقد غادر الملك عبدالعزيز وحاشيته مزرعة بنعان بعد العصر .
ويقال أنه في منتصف النهار طلب الملك عبدالعزيز كتاباً للحديث للقراءة منه ، فتقدم أحد الرجال واسمه حميد بن دواس وقال للمك عبدالعزيز : " يا طويل العمر أنا أجيب الكتاب " ، فأعطاه الملك عبدالعزيز خطاباً إلى الشيخ حمد بن فارس يطلب منه هذا الكتاب فذهب إلى الرياض يمشي تارة ويركض حتى وصل الرياض ثم أحضر الكتاب للملك عبدالعزيز وبعد قراءة كتاب الحديث قام حميد بن دواس إلى قربة ماء معلقة في شجرة وعبأ غضارة بالماء ثم قدمها للملك عبدالعزيز يريد لفت نظره وتذكيره بالنقاله ( الأجرة ) ، فقال له الملك : " من أمرك ؟ " ، فقال له الأمير ناصر بن سعود : " هذا الذي أحضر الكتاب " ، فأعطاه الملك عبدالعزيز أجرته من الريالات العربية .
أهل عرقة في ضيافة الملك عبدالعزيز
كان من عادة الملك عبدالعزيز إذا جاءه ضيوف من خارج المملكة ، دعوة أهل الرياض والقرى المجاورة لأداء العرضة النجدية احتفاءاً بالضيف ، وقد دعي أهل عرقة إلى أحد الاحتفالات في منطقة الحكم والمسماة ( الصفاة ) عن طريق أمير الرياض أنذاك محمد بن زيد الذي أمر الخويا أن يبحثوا في سوق الديره عن أي رجل من أهل عرقة ، فوجدوا الشيخ محمد بن عبدالعزيز الرواف فقال هل أمير الرياض : نريد أهل عرقة للعرضة ، فقال له الشيخ محمد : أهل عرقة فقراء وما عندهم سلاح وما يمكن يأتون وأنا ما أقدر أغصبهم ؟! ، فقال له بن زيد : ستأتي بهم غصب عنك ؟! ، فقال له الشيخ محمد : ما يمكن يأتون بدون سلاح ؟ فقال له بن زيد وكم تريدون من السلاح ؟ فقال هل أمير عرقة الشيخ محمد نحتاج إلى 120 بندقية ، فأمر له بمائة وعشرون بندقية فحملها الشيخ محمد وهو وسيف البريدي على البعير إلى عرقة ، وفي يوم الإحتفال جاء أهل عرقة إلى الديرة وهم قرابة تسعون رجلاً ، وقد سكن أهل عرقة في قصر الأميرة نورة بنت عبدالرحمن ( الشمسية ) ، ولأنهم وصلوا أولاً فقد أخذوا الدور الثاني وهو ما يسمى ( الروشن ) ، ولما وصل أهل الدرعية أردوا النزول في الدور الثاني فوجدوا أهل عرقة قد سبقوهم إليه فطلبوا منهم النزول فرفضوا ووصل الأمر إلى الأميرة نورة وقالت ( الروشن ) لمن وصل أولاً . وفي عصر ذلك اليوم بدأ أهل القرى في تأدية العرضات النجدية أمام قصر الحكم في الصفاة استعداداً للحفل والذي عادة ما يكون بعد صلاة الفجر ، وقد سمع الملك عبدالعزيز عرضة أهالي عرقة فقال لأحد رجال واسمه خريمس : " لا احد يبدأ العرضة قبل أهل عرقة " ، وبعد صلاة الفجر توافد أهل العرضة من عرقة والدرعية ومنفوحة ، وقال لهم خريمس " لا احد يبدأ العرضة قبل أهل عرقة " ، فقال أحدهم وهو من أهل الدرعية : " بلى والله عذوق المنيفي " ، فقال لهم خريمس : " هذه أوامر معزبكم " .
الملك سعود رحمه الله
الزيارة الأولى
زار الملك سعود رحمه الله عرقة وكانت قبل توليه الحكم حيث تم نصب خيام عند مزرعة عجيبة أمام العبيدية بالقرب من نخل آل يزيد وأقيمت العرضة النجدية وألقيت كلمة نيابة عن أهل عرقة ألقاها عبدالرحمن الشويعر .
الزيارة الثانية
زار الملك سعود عرقة بدعوة من الأهالي وكان ذلك عام 1373 ، ولأن أهل عرقة لا يملكون الخيام لاستضافة الملك سعود فقد ذهب أمير عرقة الشيخ محمد بن رواف ومعه محمد الشويعر إلى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز وكان أنذاك في رحلة برية لطلب خيام وفرش من أجل زيارة الملك سعود فقال لهم ( أبركها من ساعة وهذا آخر يوم لنا في البر ) ، فأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بنقل المخيم كاملاً بما فيه إلى عرقة ونصبت الخيام على مشارف وادي حنيفة بالقرب من مسجد العيد وقد شكلت لجان للحفل :
- لجنة مسؤولة عن القهوة ويشرف عليها ناصر بن علي الرسيمي .
- لجنة مسؤولة عن الفاكهة والمستودع ويشرف عليها حمد بن مرداس .
- لجنة دروازة المخيم ويشرف عليه عبدالعزيز بن ناصر الجريسي .
وقد حضر الملك سعود ومعه الأمراء يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبدالعزيز على السيارات وكان أهل العرضة ينشدون الأهازيج ويذكر أن إبراهيم البريدي وهو من المشهورين بالتفريد ومن فرط حماسه كان يضرب الطبل بقوة فقال له الملك بعد الله مداعباً له ( أركد ) . بدأ الحفل بتلاوة للقرآن الكريم رتلها الطالب محمد بن عبدالعزيز العيسى وكان في الصف الرابع الابتدائي ، ثم كلمة الأهالي ثم ألقى أحد طلاب ويعتقد أن عبدالله بن عبدالرحمن الرواف قصيدة ، وكان من المفترض أن يلقي طلاب الصف الخامس وهم خمسة طلاب قصائد جمعت من كتاب المطالعة ولكن اكتفوا فقط بطالب واحد وجمعت القصائد من باقي الطلاب وهم عبدالمحسن الجريسي وناصر العوله وإبراهيم بن عثمان وعبدالرحمن بن شبيب ومحمد بن ناصر الرسيمي وقد أعطى الملك سعود كل طالب منهم مائتي ريال عربي وكذلك أعطى محمد العيسى مائتي ريال في حين تم إعطاء كل طالب في المدرسة عشرون ريالاً وقد حظر الحفل رجال من أهل القرى المجاورة وشاركوهم في العرضة !! .
مما يذكر أنه في الزيارة الأولى والثانية تم الاتفاق مع محلات القباني في شارع الوزير على تأمين الفاكهة بجميع أنواعها والحلى بجميع أنواعه والعصائر بقيمة مقطوعة .
أعجب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بعرقة فقرر شراء مزرعة فيها ، فاشترى مزرعة أم قبر والشهابية وغير اسم المزرعتين إلى سمحة والعزيزية وهي موجودة إلى الآن على مشارف وادي حنيفة شمال عرقة بعد مزرعة الشيخ علي بن علي ، ومما يذكر أن الملك عبدالله وبعد حصاد القمح أراد وضع مسابقة في الدياسة شارك فيها أهل الدرعية والباطن وعرقة وقد تفوق أهل عرقة في الدياسة وأختاروا حبوب اللقيمي لسهولة دياستها وكان ضمن من شارك من عرقة حمد بن مرداس ومحمد بن مدعج وناصر بن عبدالرحمن القاسم وعبدالله الحمودي وعبدالله المالك وإبراهيم البريدي وعبدالله العليمي الذي كانت مهمته توجيه الحمير في الدياسة ، والطريف أن شباب من عرقة تواجدوا في المزرعة رغبة منهم شرب المريس وهو الإقط مع التمر الموضوعة في السحال ( أواني كبيرة ) ولكن لم يتمكنوا من الوصل إليها . وبعد الدياسة أقام الملك عبدالله وليمة للمشاركين في الدياسة تكونت من المريس والرز واللحم وتم ذبح ذبح قعودين وخرفان كثيرة .
الطريف أن احد الشعراء أنشد يقول :
حن قلبي حن جمس الأمريكان يوم ذكر دواس العزيزية
فغضب الملك عبدالله وغيرها الشاعر إلى :
حن قلبي حن طيــــارة يوم ذكر دواس العزيزية .
الزيارة الثالثة
أقام أهلي عرقة وليمة غداء لجلالة الملك سعود رحمه الله في حيالة ( مزرعة ) آل سليمان بجانب مزرعة الرميله ، وقد أحضر أهالي عرقة لهذه المناسبة طباخ مشهور يقال له ابن غدير الذي جهز الغداء وقد تم ذبح الكثير من الغنم والقعدان وتم تجهيز المهلبية والمكرونة وكان العشاء بعد صلاة المغرب في الرميله ، تخلل الحفل إلقاء كلمة الأهالي والعرضة النجدية والتي اشتهر بها أهل عرقة .
الزيارة الرابعة
وهي عزيمة خاصة أقامها محمد الشويعر للمك سعود في نخل أم جبيل والمعروف الآن بنخل طلال وقد حضر أهالي عرقة كلهم .
دكة الملك سعود
كان للملك سعود دكة يستريح فيها حينما كان يتنقل بين الرياض والدرعية ، وكانت الدكة قريبة من جامعة الملك سعود في منطقة تسمى سابقاً القري ، وقد عزم طلاب مدرسة عرقة الابتدائية على لقاء الملك سعود في الدكة و إعداد القهوة له بالتنسيق مع الخويا كان ذلك في عام 1373 للهجرة ، وفي ظهر ذلك اليوم اجتمع مدير المدرسة الأستاذ محمد بن سدحان وأخوه عبدالله ومعالي الشيخ محمد المهوس والفراش سعد الغريبي واحضروا معامل القهوة والفرش وحملوها على حمار جلبوه من مزرعة آل قاسم واتجهوا إلى دكة الملك سعود وجهزوا القهوة إلى حين وصول الملك سعود الذي شكرهم على حضورهم بعد أن شرب فنجان قهوة واحد ثم أمر المسؤول المالي ويدعى اللنجاوي أن يعطيهم مالاً وكان عبارة عن جنيهات ذهب وفضة .
ومما يذكر في ذلك الوقت أن المدرسين كانوا يشترون القهوة والتمر بالآجل على الراتب من صاحب محل في الرياض يقال له ابن سدحان وهو من أهل شقراء وكان له محل لبيع القهوة والتمر في مقيبرة وقد تأخروا مرة في تسديد الدين بسبب تأخر الرواتب وكان ما أعطاهم الملك سعود فرجاً لهم لتسديد ما عليهم خاصة وان ابن سدحان رفض إعطائهم قهوة وتمر حتى يسددوا ما عليهم .